إن لآيات الله سبحانه وتعالي الكثير من المعاني ومنها في سورة الأعلى ومن الجلي أن سورة الأعلى من السور التي نسمعها كثيرا وربما قد استوقفتنا هذه الآية وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى، وتأملنا فيها لنقع علي معناها والمراد منها وهنا سوف نقوم بشرح الآية ومعناها في أكثر من تفسير:
في هذه الآية الكريمة لا نفهم جيدا المقصود من قوله تعالي فجعله غثاء احوى وقد قال الكثير من المفسرين تفسيرهم عن معني هذه الآية و قد قال الدكتور السعودي عبدالرحمن أستاذ في الدراسات القرآنية أن سورة الأعلى من السور العظيمة والجليلة في معناها وعظمتها وهذه الآيات تتكرر كثير في صلاه الجمعة والوتر وصلاه العيدين أيضا.
وقد نتوقف قليلا لنتدبر معني هذه الآية ولا نعرف لها معني بالشكل الدقيق فالله سبحانه وتعالي قد جعل الأرض خضراء جميلة مزهرة حتي اذا قام الله بإرسال الرياح والشمس و جعل من هذا المرعي بدلا من خضارها وازدهارها غثاء احوى.
فجعله غثاء أحوى إننا لا نعرف معناها بدقة، وهنا يوضح البكري معناها قائلًا أن الغثاء هنا هو تحول هذه الخضرة إلي أرض يابسه شديده السواد بعدما كانت أرض خضراء شديده الخضرة والنضارة.
ويضيف الأستاذ عبدالرحمن البكري الأستاذ في الدراسات القرآنية قوله بتوصيف معني فجعله غثاء احوى بأنه عندما تكون الأرض شديده الخضار فإننا نراها بأعيننا تميل إلي السواد وقد وصف العرب المرأة الجميلة التي لديها شفاه تميل الي السواد بالحواء.
وفي هذا الوصف قال ذي الرمه “لمياء في شفتيها حوّة لعس … وفي اللّثات وفي أنيابها شنب”، ومعني فحوة لعس أي انها جميله جدا صاحبه شفاه تتسم بالسواد وهذا السواد كان رمز للجمال عند العرب.
تفسير ابن كثير في قوله تعالي فجعله غثاء أحوى
وقد جاء في تفسير ابن كثير واستدل بتفسيره علي رأي أبن عباس وقتاده وابن زيد حتي نقف علي معني أشمل وأدق في تفسير الآية التفسير الصحيح:
فقد قال ابن عباس في تفسير الآية فجعله غثاء أحوى أي جعله الله كالهشيم المتغير.
وقد أوضح المعني مجاهد وابن زيد وقتادة أنه قال أبن جرير أن أهل العلم من العرب والمستدلين بكلامهم يرون أن ذلك يرمز للمؤخر والذي يعني التقديم كما شرحوا قوله تعالي والذي أخرج المرعى أحوى أي أنه حول اللون الأخضر شديد الخضرة إلى اللون الأسود شديد السواد
وبهذا يصير غثاء ثم أكمل أبن جرير وقال إن هذا القول من الممكن أن يكون غير صائب لمخالفه لكثير من التأويل عند أهل التفسير والتأويل.
تفسير الآية الكريمة عند الوسيط
في هذا التفسير وهو تفسير الوسيط قد جاء الشرح تفصيلي لقول الله تعالي فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى وهو وصف دقيق يشمل المعني لصفه الغثاء لأن معني غثاء أي اليابس والذي يتحول بأمر الله إلي خضرة جميلة، وسوف نوضح التفسير فيما يلي:
وقد جاء وصف أحوى لأنه تم تغير لونه من اللون الأخضر اليافع وهذا إن دل فإنما يدل علي قدرة رب العزة في كونه يقول للشيء كن فيكون ودليل علي قدرته في إنشاء الشيء وأيضا إنهاءه.
وقد بيّن الله سبحانه وتعالي في وصف المراعي أن جعلها غثاء أحوى وهذا يتسق اتساقا مناسبا في الوصف والمعني مع ما سبقه في سياق المناسبة.
والقرآن الكريم قد مثل الهداية والطريق إليه وشبهها بالمراعي التي ينزل عليها الغيث فتصبح خضراء يانعه بعدما كانت أرض يابسه لينتفع منها الناس والأنعام والدواب.
وهذا يؤكد لنا أن الله إذا أراد أن يكمل دينه وشريعته يكملها كما يجعل من الأرض الجرداء اليابسة أرض سوية مخضرة كما قال عز وجل الذي أخرج المرعي فجعله غثاء أحوى وهو هنا يرمز باستعارة مكنية لوجود العيث الذي يتمثل في ذكره للمرعى ويقصد به الغيث.
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التفصيل بصورة واضحه ودقيقه في حديثه الشريف حيث قال صلى الله عليه وسلم مثل ما بَعَثني الله به من الهُدى والعِلم كمثَل الغيث الكثير أصابَ أرضاً فكان منها نَقِيُّةٌ قَبِلَتْ الماء فأنبتت الكلأ والعُشُبَ الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقوا وزرعوا حديث شريف .
ومن الجائز أيضا أن يكون المعني المقصود من قوله تعالي فجعله غثاء أحوى هو التأمل التدبر في خلق الله سبحانه وتعالي مواحل تطور الخلق وكيفيه التطور الذي يحدث لمخلوقاته في مختلف الأطوار والمراحل وكيف يحولها من الشيء وعكسه ومن عنفوانها ونضارتها وقوتها إلي ضعفها وفقدان قوتها وأيضا دلاله علي أن بعد الحياه الطويلة هناك موت وفناء كما قال الله عز وجل في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير صدق الله العظيم.
وهو تشبيه وتوضيح أشمل يصف الحياه كالمرعي في قوتها وصلابتها ونضارتها وهي تصبح كذلك في مده قصيره قد حددها الله و لها نهاية ومده وهذا قوله تعالي للإِشارة إلى أن مدة نضارة الحياة للأشياء تشبه مده زمنيه فوصف الله الغثاء ووصفه بالزمن القريب بحكم المعطوف عليه.
كما أوضحه الله عز وجل في قوله تعالي ووصفه في الآية الكريمة إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام إلى قوله تعالي فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس صدق الله العظيم.
تفسير القرطبي في معني الآية الكريمة فجعله غثاء احوى
وهنا قد وصف القرطبي وشرح معني قول الله تعالي في كتابه العزيز فجعله غثاء احوى شرح كافي ووافي يشمل المعني والتعريف والصفة ويجعلنا نتدبر في عظمه الله وقدرته في جعل اليابس يافع بأمره ومشيئته.
وجاء في شرح هذه الآية ومعناها أن الغثاء هو الشيء الذي يقذفه السيل بعد الغيث ويتجمع علي جوانب الوادي من نباتات وحشائش ويقصد به أيضا الزبد الذى يتجمع علي سطح الماء فيصبح شكله كقطعه قماش وما إلى ذلك مما يجرفه السيل .
وإذا قولنا الغثُاء بوضع التشديد عليها وجمعها هنا الأغثاء ومعني كلمه الغثاء هو الشيء اليابس وقد جاء في وصف النبات اليابس هوما يأكله الأنعام من حشائش وبقله ونباتات يابسه فإذا نشفت هذه الحشائش تحولت إلي هشيم وغثاء.
وقد قال اهل اللغة أن الوادي قد غثا وجفأ وأيضا قد جاء في وصف الزبد الذي يكون فوق سطح الماء وشكله يشبه القماش غثاء لأنه لا ينتفع به في شيء.
أما ما قد جاء في معني كلمه أحوى :أي معناها للشيء الذي يتحول للأسود أي أن النبات يتحول من شده خضرته إلي شده السواد.
وقد قال أبو عبيده في المعنى : أنه قد صار بعد خضرته ونضارته فجعله أسود محترقا والتمر الرطب إذا يبس اسود .
وقد قيل في تفسير الآية أيضا أنها مثال من الله إلى الكفار في ضلالهم وبعدهم عن طريق الهداية وطريق الله وأن هذه الحياه الدنيا بعد نضارتها وحلاوتها إلي فناء زوال.