إليكم خطبة جمعة قصيرة مؤثرة عن صلة الرحم، ففن الخطابة من الفنون الموجودة من العصر الجاهلي فيعتمد هذا الفن على النصح، وتقديم الإرشادات للناس ليتعظوا، ويسلكوا الطريق الصواب في حياتهم. فهذا الموضوع لا يدرك الجميع فضله كما لا يعرفون عقاب القطيعة فمن خلال هذا المقال على برونزية سنعرض لكم كل ما يخص صلة الرحم.
محتويات المقال
صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله فيتقرب العبد من ربه بصلة رحمه حيث يجازي الله واصل الرحم بالثواب العظيم، ويعطيه بركة في حياته، وصحته، وعمره على خلاف قاطع الرحم فيُضيق الله عليه عيشته، وينزع البركة من بيته كما له العقاب الشديد في الأخرة حيث قال الله تعالى في هذا الموقف في سورة الرعد : ” وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) “.
المقصود هنا بالصلة هي صلة الرحم فالأهل أولى الناس بالمعروف.
إن الحمد لله نحمده تعالى، ونستهديه، ونستغفره، ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثيل، ولا ضد، ولا ند له، وأشهد أن سيدنا، ونبينا، وحبيبنا، وقائدنا محمدًا عبده، ورسوله، وصفيه، وحبيبه من بعثه الله رحمة للعالمين أدي الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد لله حق جهاده فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه.
عباد الرحمن أوصي نفسي، وإياكم بتقوى الله حيث قال الله تعالى في كتابه العظيم : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) “ فعلينا حماية أنفسنا من المعاصي، والذنوب، وتحصينها من كل أمر يغضب الله، والاستذكار دائمًا بأن الله رقيب علينا في كل فعل، وفي كل وقت فعلينا إتباع أوامره، واجتناب نواهيه، ومن أهم الأشياء التي أمرنا الله بها هي صلة الرحم.
فعلينا أحبتي في الله أن نحرص على صلة الرحم فقد شرع الله لنا فضيلة إذا قمنا بها ننال الثواب العظيم من الله، ويرزقنا في الأخرة بالجنة نتيجة إتباعها، والحرص على أدائها ففي صحيح ابن جبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ : عَلِّمْنِي عَمَلا إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَطِبِ الْكَلامَ ، وَأَفْشِ السَّلامَ ، وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ ، وَصِلِ الأَرْحَامَ ، وَصَلِّ اللَّيْلَ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ “ .
فدخول الجنة مشروط بعملك الصالح، وصلة الرحم فإذا كنت تعمل الخيرات، وتُجاهد نفسك، وتتصدق، وتبذل الكثير من الأموال في سبيل الله، وتصلي، وتصوم، وتقيم كل الفرائض فتأتي يوم القيامة، ويجازيك الله ثواب كل هذه الأعمال، ولكن عند دخولك الجنة تتوقف قليلًا فتُسأل عن صلة الرحم، وهنا إذا كنت واصل رحمك، وعلاقتك طيبة معهم فهنيئًا لك الجنة أما إذا كن قاطع رحمك ولا تودهم، وتزورهم فهنا يتبدل الحال.
أخوة الإيمان الأهل هم السند، والعون مهما كانوا، ومهما بدر منهم فعليك صلتهم والسؤال عنهم، والوقوف بجانبهم لوجه الله تعالى حيث أكدت علينا شريعة الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصانا بها وأمرنا بالحفاظ عليها حيث في موقف نزول الوحي على رسولنا الكريم، وقدوم سيدنا جبريل عليه كان يرتعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الفزع، والخوف من هيبة الموقف وذهب إلى بيته، وحكى للسيدة خديجة زوجته ما حدث له، وكانت ملامح الخوف تظهر عليه فقالت، وهي تُطمئنه : ” أبشر إنك لتَصل الرحم، وتَصدق الحديث، وتُكسب المعدوم، وتَقري الضيف وتُعين النوائب “.
فأول شيء ذكرته السيدة خديجة لزوجها محمد صلى الله عليه وسلم من أعمال الخير التي يقوم بها هي صلة الرحم فهي التي تحفظه، وتحميه من كل سوء.
وعندما نزل الوحي أيضًا على نبينا، وأراد الله أن ينتشر في كل بقاع الأرض نزلت أية من سورة الشعراء على نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم تقول : ” وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) ” فهم أولى الناس أن يؤمنوا بك، ويُصدقوك، ويُساندوك في دعوتك.
وفي لحظتها ذهب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وصعد على جبل الصفا، وأخذ يهتف، ويُنادي حتى تجمعوا بأكملهم، وقال لهم أنه رسول مبعوث من الله بدين جديد هو الإسلام، وعليكم أن تتركوا ما أنتم عليه، وتؤمنوا بي، وإلى آخره فانصرفوا جميعًا، وأعرضوا عنه، ولم يؤمنوا به فدعا أهله صلى الله عليه وسلم أول من دعا، ولم يُصدقوه، ولم يؤمنوا به، وعذبوه، وخططوا لقتله، والتخلص منه، ومع ذلك التزم بأوامر الله، وتعاليمه.
فعلينا عباد الله أن نعلم أن صلة الرحم من العبادات، والواجبات التي فرضها الله علينا كما أن القطيعة من الكبائر، والمعاصي التي تجعل الله يغضب على صاحبها فورد في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لا يدخل الجنة قاطع ” فلا ينال دخول الجنة بدون عذاب، ولكن يُعذب على هذه المعصية إن لم يعف الله عنه، وبعد ذلك يدخل الجنة جزاء لأفعال طيبة أخرى قد فعلها وقال الله تعالى أيضًا عن صلة الرحم، وقاطعها في سورة محمد : ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23)”.
فمن منا يقدر، ويتحمل هذا العذاب كي يقوم بقطع رحمه فعلينا عباد الله الإحسان إلى أقاربنا، وزيارتهم، والسؤال عنهم، ومساعدتهم إذا كانوا في حاجة للمساعدة فالأقربون أولى بالمعروف فرضا الله يحتاج من أن نجتهد، ونُجاهد أنفسنا كي نناله، والجنة تحتاج أن نضحي من أجل الفوز بها.
فاللهم أرزقنا رضاك واستجب دعائنا، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت، وليها، ومولاها اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.